فصل: بَابُ الْجُمُعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْجُمُعَةِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ بَعْضُ مَنْ خَلْفَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَهَذَا الرَّجُلُ مَعَهُ يُرِيدُ اتِّبَاعَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَسَجَدَ مَعَهُ قَالَ هَذِهِ السَّجْدَةُ لِلثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِهَا مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَسَجْدَةُ الْإِمَامِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَنِيَّتُهُ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ نِيَّتِهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلثَّانِيَةِ فَيُقَيَّدُ الرُّكُوعُ الثَّانِي بِالسَّجْدَةِ وَلَمْ يَتَقَيَّدْ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ بِهَا وَكُلُّ رُكُوعٍ لَمْ يَعْقُبْهُ سُجُودٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَلَا يَقْرَأُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَلَكِنْ يَقُومُ فَيَقْضِي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ خَلْفَ الْإِمَامِ إذَا انْتَبَهَ.
وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيب فِي رَكَعَاتِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ فَلَا يَضُرُّهُ هَذَا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ يَتْبَعُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَكِنَّهُ سَجَدَ مَعَهُ يَنْوِي اتِّبَاعَهُ لَمْ تُجْزِهِ هَذِهِ السَّجْدَةُ لِوَاحِدَةٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَاهَا لِلثَّانِيَةِ حِينَ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَشَرْطُ جَوَازِهَا لِلثَّانِيَةِ تَقَدُّمُ الرُّكُوعِ فَإِنَّ الرُّكُوعَ افْتِتَاحٌ لِلسُّجُودِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يُمْكِنُ تَجْوِيزُهَا لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيهَا، وَإِنْ انْحَطَّ لِلسَّجْدَةِ عَلَى نِيَّةِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَسَجَدَ قَبْلَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهَا فَهَذَا يُجْزِئُهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُتَابَعَةِ لَا تَكُونُ نِيَّةً لِسَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ مَا اشْتَغَلَ بِهَا وَإِنَّمَا يُتَابِعُ الْإِمَامُ فِيمَا أَدَّاهُ الْإِمَامُ أَوْ هُوَ فِيهِ فَإِنَّمَا أَدَّى الْإِمَامُ سَجْدَةَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَنِيَّتُهُ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ السَّجْدَةِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى وَيَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ الثَّانِي فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِرُكُوعٍ، وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ جَوَابَ هَذَا الْفَصْلِ فِيمَا إذَا لَمْ يَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ الثَّانِيَةَ.
(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ سَوَاءٌ رَكَعَ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ إذَا سَجَدَ قَبْلَهُ فَإِنَّ سُجُودَهُ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدَ بَعْدَ مَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَنْوِي اتِّبَاعَهُ فِي الثَّانِيَةِ كَانَتْ لِلْأُولَى وَإِنْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ يَنْوِي الْأُولَى فَهِيَ لِلْأُولَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَدَاءَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ وَلَهُ مَا نَوَى، وَإِنْ كَانَ رَكَعَ فِي الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ يَنْوِي اتِّبَاعَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَبِقَوْلِهِ هُوَ سَاجِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْجَوَابِ فِيمَا سَجَدَ قَبْلَهُ أَنَّهَا لِلْأُولَى سَوَاءٌ رَكَعَ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ.
وَلَوْ أَنَّ إمَامًا كَبَّرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَعَهُ قَوْمٌ مُتَوَضِّئُونَ فَلَمْ يُكَبِّرُوا مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ قَوْمٌ الْمَسْجِدَ فَأَحْدَثَ هَؤُلَاءِ وَكَبَّرَ الَّذِينَ دَخَلُوا فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حِينَ كَبَّرَ كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَةَ وَالْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ قَدْ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْجُمُعَةِ فَانْعَقَدَتْ تَحْرِيمَتُهُ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ مُشَارَكَةُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ مَعَهُ وَمُشَارَكَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنْ لَوْ كَبَّرُوا مَعَهُ سَوَاءٌ، فَإِنْ أَحْدَثَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ أُولَئِكَ ثُمَّ جَاءُوا فَكَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الَّذِينَ أَحْدَثُوا لَوْ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّئُوا وَاقْتَدَوْا بِهِ كَانَتْ صَلَاتُهُمْ تَامَّةً فَكَذَلِكَ الْفَرِيقُ الثَّانِي وَهَذَا لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَمَّا كَانَ لَا يُنَافِي صِفَةَ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يُنَافِي الِاسْتِعْدَادَ لِلْجُمُعَةِ عَنْ الْقَوْمِ مَا دَامُوا فِي الْمَسْجِدِ.
وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَكَبَّرَ الْإِمَامُ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ فَدَخَلُوا مَعَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ التَّكْبِيرَ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَبَّرَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَجْمِعًا جَمِيعَ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ نِصَابَ الْجَمَاعَةِ لَا يَتِمُّ فِي الْجُمُعَةِ بِالْمُحْدِثِينَ فَانْعَقَدَتْ تَحْرِيمَتُهُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الْجُمُعَةِ بِاقْتِدَاءِ الْقَوْمِ بِهِ مَا لَمْ يُجَدِّدْ التَّكْبِيرَ.
وَلَوْ أَنَّ أَمِيرًا قَدِمَ وَالْوَالِي الْأَوَّلُ يَخْطُبُ فَاسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَالْأَوَّلُ لَا يَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ تَقَدَّمَ الْأَوَّلُ فَأَدَّى الْفَرْضَ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِقُدُومِ الثَّانِي فَإِنَّمَا صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ إمَامٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ عَلِمَ بِقُدُومِ هَذَا فَإِنْ أَمَرَهُ الْآخَرُ أَنْ يَعْتَزِلَ الصَّلَاةَ لَمْ تُجْزِهِمْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَمَا عَلِمَ بِالْعَزْلِ صَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ الرَّعِيَّةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الثَّانِي فَصَلَّى الْجُمُعَةَ لَمْ يُجْزِهِمْ إلَّا أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا نَهَى الْأَوَّلَ عَنْ الصَّلَاةِ صَارَ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الرَّعِيَّةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِخُطْبَتِهِ وَالثَّانِي لَمْ يَخْطُبْ وَمِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الْخُطْبَةَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَمَرَهُ بِأَنْ يَمْضِيَ فِي خُطْبَتِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ تَقَدَّمَ الْآخَرُ فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْأَوَّلِ بِأَمْرِ الثَّانِي كَخُطْبَةِ الثَّانِي بِنَفْسِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الثَّانِي شَهِدَ خُطْبَةَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَمْ تُجْزِئْهُمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْجُمُعَةِ انْعَدَمَ فِي حَقِّ الثَّانِي حِينَ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ الْأَوَّلَ بِأَنْ يُصَلِّيَ أَوْ تَقَدَّمَ الْأَوَّلُ وَاقْتَدَى بِهِ الثَّانِي يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِإِمَامَتِهِ وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا فَيُجْزِيهِمْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ الْجُمُعَةَ كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِهَا.
وَلَوْ أَنَّ أَمِيرًا فَتَحَ أَبْوَابَ الْقَصْرِ وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ فَجَمَعَ بِالنَّاسِ فِي قَصْرِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِ يَهِمْ وَالْمُرَادُ مِنْ فَتْحِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الْإِذْنُ لِلْعَامَّةِ بِالدُّخُولِ وَقَدْ أَدَّى الْجُمُعَةَ وَهُوَ مُسْتَجْمِعٌ لِشَرَائِطِهَا وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِيمَا صَنَعَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُعَدَّ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ الْمَسْجِدُ وَقَدْ جَفَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَفِي فِعْلِهِ نَوْعُ تَرَفُّعٍ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ قَصْرِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَفِعْلُهُ هَذَا مُخَالِفٌ فِعْلَ السَّلَفِ فَكَانَ مُسِيئًا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَحْ بَابَ قَصْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ وَصَلَّى بِحَشَمِهِ وَمَوَالِيهِ لَمْ يُجْزِهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الْإِذْنَ الْعَامَّ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْإِذْنَ الْعَامَّ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِأَهْلِ الْمِصْرِ فَإِنَّ مَوْضِعَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ الْمِصْرُ وَإِذَا لَمْ يَفْتَحْ بَابَ قَصْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا- السُّلْطَانَ شَرْطًا فِي الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يُفَوِّتَ بَعْضُ أَهْلِ الْمِصْرِ عَلَى الْبَعْضِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لِذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّتَ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ فَلِهَذَا شَرَطْنَا الْإِذْنَ الْعَامَّ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ أَمَرَ الْأَمِيرُ إنْسَانًا فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَانْطَلَقَ فِي حَاجَةٍ لَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ يُجْزِئُ أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ خَلِيفَتَهُ مُسْتَجْمِعٌ لِشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ صَلَّى بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا يُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ النَّاسُ بِذَلِكَ بِأَنْ أَذِنَ لَهُمْ إذْنًا عَامًا فِي الصَّلَاةِ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَجْمِعًا شَرَائِطَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِذَلِكَ.
(قَالَ) وَهَذَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِ الْمِصْرِ نَهْرٌ عَظِيمٌ كَمَا هُوَ بِبَغْدَادَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كُلُّ جَانِبٍ فِي حُكْمٍ مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ فُتِحَتْ الْأَمْصَارُ وَلَمْ يَتَّخِذْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مِصْرٍ أَكْثَرَ مِنْ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ جَازَ إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعَيْنِ جَازَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ كُلِّ مَسْجِدٍ فِي مَسْجِدِهِمْ، وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، وَفِي تَجْوِيزِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَعْلَامِ الدَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمَا يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِهَا.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْمِصْرَ قَدْ يَكُونُ مُتَبَاعِدَ الْجَوَانِبِ فَيَشُقُّ عَلَى الشُّيُوخِ وَالضُّعَفَاءِ التَّحَوُّلُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فَلِدَفْعِ هَذَا الْعُسْرُ جَوَّزْنَا إقَامَتَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ إلَى الْجَبَّانَةِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِتَجْوِيزِهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فَلَا نُجَوِّزُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» فَإِنَّمَا شُرِطَ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ الْمِصْرُ الْوَاحِدُ وَهَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ وَلِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ وَفِي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مَعْنَى الْحَرَجِ وَمَعْنَى تَهْيِيجِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ أَهْلِ مِصْرٍ وَاحِدٍ اخْتِلَافٌ عَلَى وَجْهٍ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَهْيِيجِ الْفِتْنَةِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَسْكِينِهَا فَلِهَذَا جَوَّزْنَا إقَامَتَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَخَرَجَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ وَخَلَفَ إنْسَانًا فَصَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَصَلَّى هُوَ بِمَنْ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْجَبَّانَةِ وَهُوَ عَلَى غَلْوَةٍ مِنْ الْمِصْرِ فَصَلَاةُ الْفَرِيقَيْنِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ فِنَاءَ الْمِصْرِ فِي حُكْمِ جَوْفِ الْمِصْرِ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي جَوْفِ الْمِصْرِ سَوَاءً ثُمَّ الْمِصْرُ كَمَا يُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ يُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَهُوَ إنَّمَا يُؤَدِّي فِي الْجَبَّانَةِ عَلَى غَلْوَةٍ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ هَذَا الْمَوْضِعُ فِي حُكْمِ الْمَفَازَةِ لَا فِي حُكْمِ جَوْفِ الْمِصْرِ حَتَّى إنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمِصْرِ عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَنْ قَدِمَ مُسَافِرًا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمِصْرِ فَانْتَهَى إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ أَيْضًا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْمَوْضِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَفَازَةِ قُلْنَا فِنَاءُ الْمِصْرِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِحَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ بِإِقَامَتِهِمْ فِي الْمِصْرِ لَا بِإِقَامَتِهِمْ فِي فِنَائِهَا وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ بِالْإِقَامَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ، وَأَمَّا إقَامَةُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَهَذَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِذَلِكَ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فِنَاءُ الْمِصْرِ كَجَوْفِ الْمِصْرِ.
رَجُلٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ قَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِفُصُولِهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاَلَّذِي زَادَ هُنَا حَرْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ أَهْلِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ ظُهْرُهُ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَ سَعَى فِي دَارِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَفَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ هُوَ مِنْ بَابِ دَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِضُ ظُهْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ عَلَى الْخُصُوصِ بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ فِي ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ وَسَعْيُهُ فِي دَارِهِ لَا يَكُونُ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنَّمَا سَعْيُهُ إلَى الْجُمُعَةِ عَلَى الْخُصُوصِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ خَرَجَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ.
وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ مَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ بِالْقَوْمِ أَجْزَأَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّ تَقَدُّمَ بَعْضِ الْقَوْمِ كَتَقْدِيمِ الْإِمَامِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى إصْلَاحِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجُمُعَةِ بَلْ أَظْهَرُ فَإِنَّ هُنَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى اسْتِقْبَالِهَا بِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْعَوَامّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّمَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ هُنَا يَحْتَاجُ إلَى افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَصِحُّ افْتِتَاحُ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَا يَكُونُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِهَا وَمِنْ شَرَائِطِهَا السُّلْطَانُ فَلِهَذَا لَا يُجْزِيهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ ذَا سُلْطَانٍ فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَحَاجَةُ الْمُتَقَدِّمِ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا يُعْتَبَرُ اسْتِجْمَاعُ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّ مَنْ بَنَى عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّ تَقْدِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيمُهُ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ حِينَ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَقَدْ صَارَ مُسْتَعِينًا بِهِمْ فِيمَا يَعْجِزُ هُوَ عَنْ إقَامَتِهِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ دَلَالَةُ الْإِذْنِ مِنْهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فِي التَّقَدُّمِ لِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ تَقَدُّمُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ قَدَّمَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَجْمِعٍ لِشَرَائِطِهَا.
فَإِنْ قَدَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ غَيْرَهُ مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ قَالَ هُنَا يُجْزِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَجْمِعٌ لِشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُجْزِيهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَا يَمْلِكُ إقَامَتَهَا بِنَفْسِهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَدَّمَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً فَقَدَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ إنَّمَا قَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ بَعْدَ مَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ خَلِيفَتَهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَاسْتِجْمَاعُ الشَّرَائِطِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبِنَاءِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَحَرُّمُهُ لِلْجُمُعَةِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ قَالَ إنْ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقَدَّمُ اسْتَقْبَلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَهُوَ يَحْتَاجُ الْآنَ إلَى افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَحَرُّمُهُ لِلْجُمُعَةِ صَارَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ فِي الْحُكْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ فَكَبَّرَ ثُمَّ رَعَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ قَالَ يَقُومُ مِقْدَارَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَرْكَعُ بِالرَّابِعَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَسْبُوقٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِمَا هُوَ لَاحِقٌ فِيهِ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقْضِيهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَاَلَّذِي قَالَ إنَّهُ يَقُومُ مِقْدَارَ الْقِرَاءَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، فَأَمَّا فَرْضُ الْقِيَامِ فَيَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ قَامَ فَقَضَى الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ هَهُنَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالْقِرَاءَةِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ كِلَاهُمَا فِي صَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَالرِّوَايَةُ الَّتِي قَالَ يَبْدَأُ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ جَوَابُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ فَيَقْضِيه كَمَا فَاتَهُ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي قَالَ يَبْدَأُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَالسِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
وَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَعْضِ النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ رَكْعَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ أَدَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ كَانَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ بِالشُّرُوعِ وَقِيَاسًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ هُوَ بِالشُّرُوعِ مَا قَصَدَ أَدَاءَ شَيْءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إقَامَةَ مَا هُوَ مِنْ إعْلَامِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ هَذَا فِي الْمَعْنَى بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ فِي أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا لَيْسَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الشُّرُوعُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَصَدَ الْإِسْقَاطَ لَا الِالْتِزَامَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ تَكَلَّمَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَهُوَ أَدَاءُ الظُّهْرِ فَكَذَلِكَ هُنَا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ فَإِمَّا أَنْ يَقْضِيَ مَعَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ بِدُونِ التَّكْبِيرَاتِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ مَعَ التَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إلَّا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ بِدُونِ التَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ، وَرَدُّوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِغَيْرِ صِفَةِ الْأَدَاءِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْأَصْلَ لِإِيجَادِ الْقَضَاءِ بِدُونِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا ثُمَّ ذَكَرَ بَابَ التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ إلَّا مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ بَابَ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَيْضًا وَمَسَائِلَهُ عَيْنَ مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِصِفَةِ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ الْيَوْمَ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ رَعَفَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِنْ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَنْفَتِلُ هُوَ وَمَنْ خَلْفَهُ فَيَقُومُونَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَهَذَا لَا يَشْكُلُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُمْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَأَوَانُ انْصِرَافِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى الْعَدُوِّ عِنْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَأَمَّا فِي حَقِّهِ فَنَقُولُ هُوَ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ فِي إتْمَامِ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ وَقَدْ فَعَلَ فَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَلِهَذَا يَنْصَرِفُ مَعَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَعُودُ مَعَهُمْ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.